كتبت: مها طــه
في واحدة من الجلسات العائلية، دار النقاش حول العدد الأمثل لإنجاب الأطفال، حتى يتمكن الأبوان من الرعاية وتوفير الاحتياجات. فاتفق المعظم على أن ثلاثة أطفال كافيين، فتدخل أحد الجالسين رافضًا، وقال إنكم بذلك تظلمون الطفل الثاني، فيظل يعاني طوال حياته متلازمة الطفل الأوسط. ولكن هل حقًا يمكن أن يؤثر ترتيب الإخوة على مستقبلهم؟
العلاقة بين ترتيب الولادة وشخصية الأطفال
كان الطبيب النمساوي “ألفريد أدلر” من أوائل من وضعوا نظرية لتفسير أثر ترتيب الولادة على الشخصية. حيث أشار إلى أن هذا الترتيب قد يحدد ملامح الحياة العاطفية والاجتماعية فيما بعد. وأيّده لاحقًا الكثير من العلماء المنتمين لمدرسته في الطب النفسي.
وفقًا للنظرية، يكون الابن البِكر هو الأكثر تحملًا للمسؤولية والأكثر نضجًا. كما أنه يتمتع بمهاراتٍ قياديةٍ عالية، ويكون محط توقعات أبويه، حيث أنه أكثر من حصل من أبنائهما على الرعاية والاهتمام، قبل أن يكون له أشقاء يُقاسمونه نصيبه.
أما الابن الأصغر، فيكون الأكثر جاذبية، والأقل مسؤولية، ويتمتع بقدر كبير من الثقة بالنفس والقدرة على الإبداع، وذلك لأن كونه الأصغر يجعله محط اهتمام الجميع، فهو المحبوب والمُدلل.
تكون مسؤوليات الابن الأصغر محدودة، فيكون مبدعًا لأن أبويه يتركان له مساحة للخطأ والتجربة، مع توقعات أقل بكثير من أخواته الأكبر.
متلازمة الطفل الأوسط : المنسي بين إخوته
ومن هنا، قد نعتقد أن الابن الأوسط هو المهضوم حقه، الواقع دائمًا في المنتصف. ولذلك قد تكون أسباب متلازمة الطفل الأوسط نابعة من شعوره بأنه الأقل تفضيلًا بين إخوته، فهو ليس القائد الطموح وليس المبدع المُدلل.
وفقًا لبعض البحوث العلمية قد ينمو هذا الشعور داخله ويؤثر عليه مستقبلًا، حتى أنه قد يصبح أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
ولكن على الجهة الأخرى، تصنع منه هذه العوامل شخصًا اجتماعيًا بامتياز. فهو الأكثر تعاونًا والأقل عنادًا والأكثر مرونة، فكونه الأوسط يجعله يتحمل مسؤوليات أقل – مقارنة بالابن الأكبر- كما تجعله التوقعات المتوسطة شخصًا مرنًا يتقبل الأمور بأريحية.
ولأنه يحصل على قدرٍ أقل من الاهتمام، فهو يبحث عنه خارج نطاق الأسرة ومع الأصدقاء. فيكون اجتماعيًا وناجح في تكوين الصداقات والعلاقات خراج المنزل.
حقيقة متلازمة الطفل الأوسط
ولكن هل يمكن أن نجعل من هذه النظريات حقائق لا تقبل الجدل؟ الإجابة بالقطع لا، فمع تطور الأبحاث، شكك العديد من الباحثين في تلك النظريات.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد دحضها بعض العلماء لكونها تبحث جانبًا واحدًا فقط قد يؤثر في الشخصية. وذلك دون النظر إلى العديد من الجوانب الأخرى المتغيرة، مثل الجنس والعِرق والحالة المادية والاجتماعية للأسر نفسها.
على سبيل المثال، يمكن القول بأن 21 من أصل أول 23 رائد فضاء، كانوا هم الأبناء الأكبر في الأسرة، ولكننا أهملنا هنا حجم هذه الأسر، وهو الأمر المؤثر بشدة في مصير الأطفال.
فقد كان جميعهم من عائلات صغيرة من حيث العدد، يتمتع فيها الأبناء بقدرٍ عالٍ من التعليم والرفاهيات، تمكنهم من الوصول إلى الريادة في مجالهم، بغض النظر عن ترتيب الولادة.
وفقًا لقاموس الجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن متلازمة الطفل الأوسط هي حالة افتراضية، تنتشر مجتمعيًا لتشير إلى اختلاف السمات الشخصية للطفل الأوسط عن إخوته وفقًا لترتيبه فقط، وهو ما تنفيه الكثير من الأبحاث.
حيث أشارت عدة بحوث إلى أن ترتيب الولادة له بعض الآثار المحدودة والطفيفة على الشخصية والذكاء. ولكنها بالطبع ليست بتلك القوة التي تجعلها مؤثرة على مسار حياة الطفل مستقبلًا.
وبعد، هل ما زلت تؤمن بأن ترتيبك بين إخوتك له فضل في تكوين شخصيتك ومسار حياتك؟