كتبت: أسماء شهاوي
يقضي الطفل تسعة أشهر داخل بطن أمه، تشعر بحركته ويشعر بنبضها. ثم تلده فيخرج لأحضانها فتصبح عالمه، ثم يكبر سريعًا ويفاجئها سؤال: ما السن المناسب لذهاب الطفل للحضانة؟
هذا القرار من أصعب القرارات على الأم، حيث الانفصال يكون صعب عليها أيضًا مثل الطفل، ثم أن هناك عدة عوامل تحكم هذا الأمر.
ذهاب الطفل للحضانة قرار شخصي جدًا وتختلف ظروفه بين الأسرة والأخرى. في هذا المقال دعيني عزيزتي الأم أفكر معكِ بصوتٍ عالٍ لتصلي لقرار يناسبك ويناسب طفلك.
معايير اختيار السن المناسب للحضانة
تلجأ بعض الأمهات للحضانة مضطرة؛ لضرورة عودتها للعمل بعد الولادة وعدم توفر من يرعى طفلها بالمنزل وقت غيابها.
لذلك تبحث الأم في تلك الحالة عن حضانة تناسب طفلها ذي العدة أشهر، ويجب أن تتوفر فيها شروط معينة.
والبعض الآخر يكون الأمر لديه اختياريًا. إذ تملك الأم رفاهية اختيار سن الطفل المناسب وهل يمتلك الطفل من القدرات ما يؤهله للانفصال عنها، وتصبح مقومات اختيار الحضانة مختلفة تمامًا.
مقومات اختيار الحضانة المناسبة
كما ذكرت سابقًا؛ تختلف تلك المقومات باختلاف الظروف واختلاف عمر الطفل:
إن كان عمر الطفل أقل من عام أو عامين
في تلك الحالة نتحدث عن طفل رضيع يحتاج لرعاية فسيولوجية وصحية ومتابعة دقيقة، هذا الطفل لا يستطيع التعبير اللفظي عن احتياجاته وما يؤلمه.
لذلك يجب أن يتوفر في الحضانة:
- عدد كافي من أفراد الرعاية للأطفال.
- اهتمام بالنظافة والتعقيم نظرًا لضعف مناعة الطفل بذلك العمر.
- تهوية جيدة بالمكان.
- احتياطات أمان كافية.
- كاميرات مراقبة تغطي أجزاء المكان؛ حبذا لو كانت متصلة بهاتف الأم للمراقبة المستمرة.
- قرب مكانها من مكان عمل الوالدين؛ لسهولة المتابعة.
- وجود طبيب أو رعاية طبية متخصصة لحالات الطوارئ.
إن كان عمر الطفل عامين فأكثر
في تلك الحالة يكون الطفل أكبر قليلًا وأكثر وعيًا، وفي كثير من الأحيان يستطيع التعبير عن احتياجاته حتى لو بكلمات وإشارات بسيطة.
يحتاج الطفل في ذلك السن لتطوير مهاراته الاجتماعية والحسية. لذلك حتى لو لم تكن الأم مضطرة فإنها تفكر في إيداع طفلها الحضانة في ذلك السن حتى تساعده في تطوير مهاراته.
وتكون من أهم مقومات الحضانة في تلك الحالة:
- النظافة والاهتمام الصحي.
- القرب من المنزل أو عمل الوالدين لتوفير الجهد.
- الاهتمام بتنمية مهارات الطفل والأنشطة اليدوية.
- تعليم الطفل سلوكيات جيدة.
- الوعي بطرق التعليم الحديثة.
- عدم الضغط على الطفل لمسك القلم والكتابة.
- الوعي التربوي باختلاف شخصيات الأطفال وخاصة الطفل الحركي.
- عدم الازدحام المبالغ فيه ليحصل كل طفل على الرعاية الكافية.
- الاعتماد على أشخاص تربويين متخصصين في رعاية الأطفال والتعامل معهم.
فوائد ذهاب الطفل للحضانة
الاختيار الصحيح للحضانة التي يذهب إليها الطفل يترتب عليه فوائد جمة لكل من الأم والطفل.
الأم تستطيع العودة لعملها وحياتها الشخصية حتى لو جزئيًا. حتى لو لم تكن تعمل فإنها تستطيع الحصول على وقت مستقطع تلبي فيه احتياجاتها؛ ويقوم غيرها برعاية طفلها.
إذ تعاني الكثير من الأمهات اكتئاب ما بعد الولادة، وتضغط رعاية الأطفال عليها كثيرًا؛ فتحتاج لبعض الوقت بمفردها، أو حتى تدع الطفل الأكبر بالحضانة لتستطيع رعاية الأخ الأصغر.
أما عن فوائد الحضانة للطفل؛ يوجد العديد منها:
- تنمية مهارات التواصل الاجتماعي: حيث يتعامل الطفل مع أشخاص غير أسرته ويفهم الآخرين ويعبر عن نفسه.
- تعليم الطفل المشاركة: في الحضانة لا يكون الطفل محور الكون مثل المنزل؛ فيتعلم المشاركة واللعب مع أقرانه.
- الاعتماد على الذات: يجد الطفل نفسه بعيد عن السلطة الأبوية، ويضطر للاعتماد على نفسه قليلًا،
الأكل بمفرده ولبس حذائه وبعض المهمات البسيطة الأخرى، التي تُخرج الطفل تدريجيًا من الاعتماد على والديه. - تنمية مهارات التواصل اللفظي: قضاء الطفل أوقاته وحيدًا في المنزل بلا أطفال في مثل سنه؛ يسبب تأخر التطور اللغوي في حالات كثيرة، وتأتي الحضانة لتحل تلك المشكلة في كثير من الأحيان.
- تنظيم وقت الطفل: تساعد الحضانة في خلق روتين ثابت للأكل والنوم، حيث يستيقظ الطفل في موعد ثابت يوميًا وبذلك ينام بنظام، كما يأكل الكثير من الأطفال بشكل جيد مع أقرانهم.
- مساعدة الأم في مهمة “خلع الحفاضات” والتدريب على استخدام المرحاض.
- تقوية مناعة الطفل: اختلاط الطفل بآخرين وتعرضه لبيئة مختلفة عن منزله يؤدي لتقوية جهازه المناعي نتيجة تعرضه لبعض الميكروبات الموجودة طبيعيًا في البيئة.
- التأسيس التعليمي للطفل: يستطيع عقل الطفل في العمر الصغير تخزين كم هائل من المعلومات، مجرد سماع الطفل للحروف والأرقام وأسماء الحيوانات والألوان وغير ذلك، سيفيده كثيرًا في بناء قاعدة المعارف لديه.
- تقوية العلاقة بين الأم والطفل: نعم؛ ذهاب الطفل للحضانة يتيح للأم بعض الوقت للاسترخاء وقضاء مهامها كما ذكرنا سابقًا، وذلك ينعكس على الوقت التي تقضيه الأم مع طفلها بعد عودته؛ فيكون أهدأ وذا قيمة تربوية أكبر (Quality time).
عيوب ذهاب للحضانة
تختلف شخصيات الأطفال وطباعهم، كما يختلف وعي الآباء والأمهات التربوي، فينشأ كل طفل بطريقة مختلفة داخل منزله.
يظهر كل طفل بالتبعية رد فعل مختلف على فكرة الذهاب للحضانة. فكلما اقترب الطفل أكثر من التربية السوية والهدوء النفسي في نشأته؛ كلما كان الذهاب للحضانة بردًا وسلامًا عليه وعلى والديه.
أيضًا كلما كانت الحضانة تتبع الأساليب التربوية السليمة في التعامل مع الأطفال كلما قلت عيوب الذهاب للحضانة.
من أبرز تلك العيوب:
- تأثير سلوكي سلبي على المدى الطويل: يظهر لدى الأطفال أقل من عامين الذين يذهبون للحضانة بدوام كامل يوميًا؛ ولا يتلقون رعاية جيدة في الحضانة.
- نفور الطفل من التعلم: إن تم الضغط على الطفل وإجباره وتقديم المعلومات له بشكل غير تربوي؛ يؤدي ذلك لكره التعلم والنفور منه.
- التوتر: أظهرت دراسات زيادة مستوى هرمون الكورتيزول لدى الأطفال الذين ذهبوا لحضانات أساءت التعامل معهم في سن مبكر.
- تقييد الإبداع والاستكشاف الحر: بالرغم من النظام الذي تضفيه الحضانة على حياة الطفل؛ إلا أنها تتسبب في كبت الطفل إن تم التعامل بشكل غير تربوي.
- صدمة الانفصال: يعد الخوف من الانفصال أمرًا طبيعيًا لدى الأطفال أقل من 3 أعوام، وتتعدد أعراضه ودرجاته.
لذلك إن تم التعامل مع هذه المخاوف بشكل غير مهني وتربوي عند ذهاب الطفل للحضانة قد يسبب صدمة نفسية للطفل.
بكاء الطفل في الحضانة
بكاء الطفل عند مفارقة والديه أمر طبيعي جدًا، وذلك من علامات نمو الوعي لدى الطفل، هذا يدل أنه يعرف الأشخاص من حوله ويعرف من يلبي له احتياجاته.
يتعرض الأطفال لمخاوف عند ذهابهم للحضانة، الأمر طبيعي لكنه يحتاج لتعامل تربوي من الحضانة والوالدين معًا حتى لا يسبب صدمة أو مشكلة.
سيعتاد الطفل مع الوقت على مجتمعه الجديد، وسيعتاد الاعتماد على نفسه والانفصال المؤقت عن والديه.
وإليكم بعض النصائح ليمر الأمر بسلام:
- تدريب الطفل تدريجيًا على الانفصال: يكون ذلك بتركه لفترات قصيرة تدريجيًا من أحد الجدود أو الأشخاص الثقة، نتركه ونذهب لشراء بعض الأشياء مثلا في وقت وجيز، فيفهم الطفل أن الانفصال ليس دائم.
- شرح ما يحدث للطفل: نتكلم مع الطفل ونشرح له ما يحدث، نقول له مثلًا “أنا ذاهب لإحضار بعض الأشياء وسأعود بعد قليل” “سنذهب للحضانة وستلعب مع أقرانك بألعاب جميلة ثم سأعود لاصطحابك”.
- كسب ثقة الطفل وعدم خداعه: خداع الطفل يدمر الثقة بينكما ويزيد الهلع لديه، فأفعال مثل “الاختفاء فجأة” أو “إلهاء الطفل وخروج الوالدين من المنزل دون سابق إنذار” ينزع عن الطفل الشعور بالأمان.
مما يجعل الانفصال في الحضانة أو غيرها أصعب كثيرًا، فلا تخن ثقة الطفل بك ولا تخدعه.
- جعل وقت الوداع إيجابيًا: ودع طفلك بحضن دافئ وقبلة حانية، وقدم له وعد بالرجوع لاصطحابه سريعًا مع شيء يحبه، فلا داعي لجعل لحظات الانفصال أكثر ذعرًا.
- اللجوء لمتخصص: إن استمر قلق الطفل من الانفصال لأكثر من بضعة أسابيع، أو أظهر الطفل عدم الراحة لفترة طويلة بعد تركه؛ فاستشر مختص ليساعدكم على تجاوز الأمر.
ختامًا؛ قرار الحضانة يجب أن تسبقه بعض الاحتياطات كما ذكرنا، والسن مناسب لذهاب الطفل للحضانة تحدده عوامل كثيرة.
خذ قرارك بناءً على وعي طفلك واحتياجاته واحتياجاتك؛ واختر مكان يتناسب مع ذلك؛ وأسال الله لكم التوفيق.
مصادر: