كتبت غادة سامي
العالم ممتلئ بكل ماهو جميل ومحفز وطبيعي للغاية، لكن يظل التساؤل كيف لمصطلح الحرمان البيئي أن يشاع!
هل قصرت الطبيعة، والظروف البيئية المتجددة، أم التقصير من قبل الأسرة والأفراد! وهل الحرمان البيئي مكتسب أم يولد الطفل مهيئًا للانعزال!
هكذا تبدأ الأسرة في طرح تساؤلاتها عن سبب تشخيص طفل الحرمان البيئي لتبدأ في تفادي المسببات وإعلان رحلة العلاج فورًا.
فبمجرد اكتشاف الحرمان البيئي والتعامل الصحيح معه، يمكن أن يعود الطفل طبيعيًا بكل سهولة.
ما المقصود بمصطلح الحرمان البيئي عند الأطفال؟
عندما يصبح الطفل في عزلة إجتماعية شديدة تلك الحالة نعبر عنها بمصطلح الحرمان البيئي. هنا تنعدم الظروف البيئية التي قد تحفز نمو الطفل فكريًا وسلوكيًا.
بالتالي تنعدم فرص التعلم والترفيه التي قد يحصل عليها الطفل، ويبدأ تدريجيًا انعدام العلاقات
الاجتماعية، فلا يتفاعل الطفل مع أقرانه أو البالغين.
أسباب الحرمان البيئي
يعد تكوين العلاقات الاجتماعية أمرًا أساسيًا لرفاهية الفرد، ليس فقط بسبب فرحة تواجده مع الأصدقاء، أو تعلم الأعراف الاجتماعية؛ وإنما تجربة الانخراط الاجتماعي أمر حيوي لمرحلة الطفولة.
لكن ربما هناك أسباب مختلفة تجعل العديد من الأطفال غير قادرين على تجربة السلوك الاجتماعي الضروري لصحتهم العقلية ونموهم.
فمثلًا غياب العلاقات الإجتماعية للأهل قد تؤثر في حرمان الطفل من البيئة الصالحة التي تحفز مهاراته أو نموه الفكري الطبيعي.
فيتأثر الطفل بالمناخ العائلي المحب للانعزال والهدوء، فيصبح مستعدًا للانعزال بصورة كبيرة، وتؤثر أفكار الفرد ومشاعره وسلوكه على الآخرين ويتأثر بهم.
كذلك الطفل المنعزل اجتماعيًا يميل لتحصيل دراسي أقل في مراحل بلوغه. ويصبح أكثر عرضة للاضطراب النفسي، ويتعرض للأمراض الفسيولوجية التي تؤثر على النمو الصحي للمخ.
العلاقة بين الشاشات والحرمان البيئي
منذ أن أصبح معدل استخدام الشاشات الإلكترونية للأطفال أقل من سن الثلاث سنوات في تزايد، تأثرت قدرات الطفل المعرفية وأصبحت في تدهور، وضعف لديه التطور اللغوي.
فتدهور مزاج الطفل المعتمد على الشاشات الإلكترونية وأصبح مزاجًا سيئًا أغلب الوقت. ومع الإستخدام المفرط للشاشات ظهرت على الطفل أعراض فرط النشاط، وتشتت الانتباه، والاضطرابات السلوكية المختلفة.
أقرأي أيضًا: أضرار الأجهزة الإلكترونية | “طفلي في خطر”
تأثير التعرض المبكر للشاشات في كيميائية دماغ الطفل
يمكن أن يتسبب التعرض المبكر للشاشات في حدوث تغيرات كيميائية و تشريحية في المخ. ويؤثر بشكل ملحوظ في انخفاض مستوى الميلاتونين، و نقص الناقل العصبي مثل الدوبامين و الأسيتيل كولين لدى الطفل.
كما تؤثر الشاشات على حجم المادة الرمادية والمادة البيضاء الموجودة في مخ الطفل فتتأثر القدرات اللغوية والقدرات المعرفية وربما يصبح الطفل أكثر عدوانية.
فتؤثر الشاشات على انتباه الطفل وإدراكه، حيث تقلل فرص التفاعل الاجتماعي المسؤول عن تحفيز الطفل على التفاعل مع البيئة من حوله بكل مكوناتها.
كما تؤثر الشاشات على نظام التفاهم الاجتماعي الذي يربط إدراك الطفل بما حوله، ويحفز ردود أفعاله.
فرغم أن الشاشات الإلكترونية هي مصدر للمعلومات ووسيلة للترفيه من المفترض أنها قد تسهم في تنمية لغة الطفل. إلا أن التعلم في سن مبكر يعتمد بشكل أساسي على اكتساب اللغة المباشر من التفاعلات الاجتماعية.
هل الحرمان البيئي يسبب أمراضًا فسيولوجية؟
بالطبع، فعندما يكون الطفل منعزلًا إجتماعيًا ويتعرض لضغط أو يضطر للتعامل مع المجتمع يتعامل الجسم مع الموقف على أنه تهديد.
لذا يفرز المخ العديد من هرمونات التوتر لحماية الجسم من الخطر. لكن على المدى الطويل قد تزيد هذه الهرمونات من خطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، والأمراض المعدية، والتدهور المعرفي وقد تؤدي للوفاة.
فالعزلة الاجتماعية لا تؤثر على الوظائف الفسيولوجية للجسم فقط، ولكن تؤثر على تطور الجهاز العصبي، والأداء الإدراكي
تشابه أعراض التوحد مع الحرمان البيئي
يؤثر الحرمان البيئي على الأنماط السلوكية للطفل، و التواصل الإجتماعي، والإدراك الفكري وهي تتشابه مع أكثر الأعراض المميزة للمرحلة الأولى من اضطراب طيف التوحد.
لذا فإن فهم دور التجربة الاجتماعية الأولى وخاصًا اللعب والاندماج للطفل، يمنع تدهور سلوكيات الطفل الاجتماعية، ويؤثر إيجابيًا في تطوره.
كيفية التعامل مع حالات الحرمان البيئى وتوفير بيئة صالحة لنمو الطفل
يمكن التدخل التأهيلي في حالات الحرمان البيئي والتعامل معها بسهولة، فتستجيب معظم الحالات وتتطور للأفضل وقد تنتهي الأعراض تمامًا.
فالبيئة الاجتماعية التي تقدم الدعم للأبوين تعزز من قدرة الآباء على رعاية أطفالهم، لذا من المهم الاهتمام بمحيط البيئة الاجتماعية.
لذا:
- يلزم توفير المساحات المفتوحة لرفاهية الأطفال.
- الحفاظ على التفاعلات الإجتماعية.
- منع تعلق الطفل بالشاشات.
- خلق فرص جديدة لاندماج الطفل في المجتمع.
ختامًا، البحث في عالم الطفولة وسلوكيات الطفل يدفعنا دائمًا لتوفير بيئة صالحة للنمو العقلي والإدراكي وتوفير المتطلبات التي تهيئ الطفل للاندماج في المجتمع.
ذلك لأن الهدف الأسمى تنشئة طفل سوي الفكر، وقادر على اكتساب المهارات والتطور وبالتالي ينتهي الحرمان البيئي للأبد.
المصادر: