كتبت: د. ندى الشاذلي
هل استحق لقب أم؟ كلما وضعت رأسي على وسادتي ظل هذا السؤال يراودني، أغمض عيناي وأتذكر كل الوقت الذي قضيته مع طفلي ويبدأ الشعور بالذنب تجاه طفلي .
هل بذلت ما عليّ تجاهه؟ هل قدمت له الطعام المناسب؟ أقضيت معه من الوقت ما يكفي؟ الكثير والكثير من الأسئلة التي تنتهي بالشعور بالذنب والتقصير مع طفلي.
اهدئي عزيزتي.. فلا داعي لكل هذا اللوم، دعيني اصطحبك في جولة لمعرفة سبب آلامك وإيجاد الحلول المناسبة لها في هذا المقال.
عقدة الذنب سلاح ذو حدين
دعيني أخبرك أولًا لماذا نشعر بالذنب؟
نمر يوميًا بالعديد من المواقف التي يتخللها تبادل بعض عبارات اللوم والعتاب وهنا يبدأ الشعور بالذنب والقلق حيال خطأ ارتكبناه في حق أحدهم حتى وإن لم نرتكبه.
يكون حينها الشعور بالذنب رد فعل طبيعي، لأنك كنت سببًا في جعل أحدهم يشعر بالضيق، فعقدة الذنب صفة تتمركز حول النفس، إلا أن لها علاقة وثيقة بالمجتمع من حولنا.
يعد الشعور بالذنب بمثابة رادع قوي للإنسان لإعادة إصلاح العلاقات المتوترة بالآخرين، وضبط النفس، فهو يعزز أيضًا ثقافة الاعتذار وتصحيح الأخطاء أملًا في التخلص من هذا الشعور المزعج، وتلك هي مزايا الإحساس بالذنب.
مع أنّ الشعور بالذنب قد يكون مفيدًا في بعض الأحيان، فإنه يعد شعورًا سلبيًا في أحيانٍ أخرى. حيث إن المبالغة والإفراط في الشعور بالذنب دون داعٍ أمر مرهِق، ويجعلنا نعطي لأخطائنا حجمًا أكبر مما تستحق وقد نلوم أنفسنا بشكلٍ لاذع.
أسباب الشعور بالذنب تجاه طفلي
تعاني الكثير من الأمهات الشعور بالذنب تجاه أطفالهم لعدة أسباب، أكثرهم شيوعًا الآتي:
الرضاعة الطبيعية
عدم قدرتكِ على الرضاعة الطبيعية أو عدم استكمال الرضاعة لفترة كافية، يجعلك تشعرين بالذنب، خاصةً عندما يبدأ الحديث أمامكِ عن أهمية الرضاعة، وفضل ممارستها مع الطفل مدة لا تقل عن 18 شهرًا.
قد تذكر إحداهن في الوقت ذاته، ندمها حيال هذه التجربة، فتترك حائرة وغير راضية عن قرارها.
الغضب
عدم تحكمكِ في غضبك حيال بعض التصرفات الغريبة للأطفال، خاصةً إذا كانت في أوقات غير مناسبة ولا تمتلكين من سعة الصدر ما يكفي للنقاش مع صغاركِ.
هذه اللحظات كفيلة أن تجعلك تشعرين بالذنب لعدم قدرتك على إرضائهم خاصة إذا كان ردكِ “عليكَ فعل ذلك لأن هذا ما أريده وحسب!”.
طلب المساعدة
قد يتسلل إليكِ مشاعر الإحباط واليأس بسبب اضطرارك لطلب المساعدة، لعدم قدرتكِ على إتمام جميع واجباتك تجاه أطفالك.
الأوقات الصعبة
تعرضك لمواقف صعبة أو حزينة تفقدك القدرة على قضاء وقت مرح مع أطفالك.
العمل
أن تكوني أمًا عاملة أو غير عاملة، في الحالتين تشعر الكثير من الأمهات بالتقصير، فـ
- قضاؤكِ وقتًا خارج المنزل بعيدًا عن أطفالك بسبب عملك، يجعلك تشعرين بالذنب خاصةً إذا كنتِ تحتاجين العمل، أو تحبينه، أو حتى مجرد أنه ملاذ من الفوضى في المنزل.
- الأم غير العاملة -أيضًا- تشعر بالذنب لاعتقادها أنها ليست القدوة الأمثل لأطفالها.
المقارنة
تُسلط الكثير من الأمهات الضوء على ما تقدمه لأبنائها من فرص لتنمية مهاراتهم، وإسعادهم، ودفع الملل عنهم؛ مما يترتب عليه مقارنة نفسك الدائمة مع الأمهات.
تلك المقارنة تجعلكِ غير راضية عن نفسك دائمًا وتشعرك بالتقصير تجاه أولادك.
تغذية الأطفال
إن تغذية الأطفال تَشغل حيزًا كبيرًا من تفكيرنا ومجهوداتنا كأمهات، وهي سبب رئيس للإحساس بالذنب والتقصير.
العصبية
عصبيتكِ الزائدة مع أطفالك تجعلكِ كثيرة الصراخ في وجوههم، وقد لا تستطيعي السيطرة على ردود أفعالك تجاههم.
الأم الخارقة
رغبتك في أن تكوني أمًا خارقة وسعيُكِ للكمال يترككِ في صراع دائم.
الهواتف الذكية (Smart phones)
عدم التحكم في الوقت المستغرق في مشاهدة التلفاز والهواتف الذكية والإفراط فيه؛ يؤدي للكثير من المشاكل مثل: السمنة واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهذه حقيقة.
تعلمين جيدًا هذه الأضرار وذلك يشعرك بالذنب تجاه أطفالك.
أقرأي أيضًا: أضرار الأجهزة الإلكترونية | طفلي في خطر
أراكِ الآن وقد اندهشتِ من انطباق معظم تلك الأسباب عليكِ، فدعيني أطرح عليكِ بعض النصائح.
نصائح للتخلص من الشعور بالذنب تجاه طفلي
تذكري عزيزتي أن الشعور بالذنب أمرًا طبيعيًا ويمكن التحكم به بطرق عدّة، لكن الشعور بالذنب بشكل لا يتناسب مع كم الضرر الذي قد تكوني تسببتِ به، ظاهرة غير صحية ويجب التحكم بها.
إليكِ بعض النصائح التي قد تساعدك:
- تذكري عزيزتي أن الخِيار الأفضل لكِ ولطفلك هو مسئوليتك وحدك، ويجب عليكِ عدم الشعور بالذنب حيال اتخاذ أي قرار يناسبك.
- أنتِ مجرد بشر، ضعي هذا نصب عينيكِ دائمًا، وأنهم أطفال ولا مانع من الرضوخ لبعض طلباتهم الغريبة في بعض الأحيان.
- لا بأس من طلب المساعدة فإنكِ تمتلكين طاقة محددة قد تنفذ قبل إتمام تلك المهام بمفردك.
- كوني رحيمة بنفسك، فلا داعي للشعور بالذنب بسبب أحداث خارجة عن إرادتك قد تعكر صفو مزاجك.
- تذكري أنك لستِ بمفردك فحالكِ حال كل الأمهات.
- اعلمي غاليتي أنكِ تبذلين قصارى جهدك من أجل أسرتك وسعادة أطفالك، وليست قيمة الوقت بعدد ساعاته؛ إنما كيف نقضيه.
- تصالحي مع نفسك وتوقفي عن مقارنتها بالأمهات الأخريات وسؤال نفسك “لما أنا دائمة التقصير مع طفلي؟”.
- الترفيه عن الأطفال ليست مسؤوليتكِ وحدكِ، فلا بد أن يتولوا جزءًا منه، فلديهم من الألعاب والألوان ما يكفي.
- لا داعي لتحويل وقت الطعام إلى ساحة معركة، ينتهي بالشعور بالإحباط والفشل في إتمام واجباتنا نحو صغارنا، عليكِ فقط إعداد الطعام الصحي والمناسب لطفلك دون تأنيب نفسك إذا رفض تناوله.
- قد تصرخين في وجه أطفالك لتنبيههم من خطر محقق، هذا عمل لا بد منه، لكن إذا أصبح الصراخ في وجههم مسيطرًا عليكِ؛ فمن الأفضل أن تحاولي الاسترخاء وتقليل التوتر.
- لا مانع من الاستعانة ببعض المتخصصين لمساعدتك على تربية أبنائك بطريقة أكثر هدوءًا.
- تذكري أن الصراخ على الأطفال قد يؤثر على صحتهم العقلية.
- لستِ مضطرة أن تكوني أمًا خارقة بل ولا حتى صديقة أو زوجة خارقة، حاولي أن تسعي فقط لتحقيق التوازن بين احتياجاتك واحتياجات الآخرين.
- تقسيم الوقت وتنظيمه بما يتناسب مع المهام له نتيجة سحرية لإنجازها.
- الاعتدال في مشاهدة التلفاز والأجهزة الذكية لا يشكل خطرًا، ويمكنكِ جعل ذلك الوقت مفيدًا بانتقاء البرامج الهادفة.
ختامًا…
إن الشعور بالذنب تجاه طفلك أمرًا شائعًا، الاعتدال فيه واجب والإفراط فيه مذمومًا، فوجود الأطفال في حياتنا نعمة، ووجود الأمهات في حياتهم نعمة عظيمة فعلينا شكر النعمة وحسن معاملتها.
المصادر:
رائع ما شاء الله اللهم بارك