كتبت: تقى خالد
لم يمر سوى شهر أو أقل منذ ولادتي لطفلي، تلك اللحظة التي كنت أنتظرها بفارغ الصبر، تلك اللحظة التي أرى فيها صغيري الذي هو قرة عيني، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن!
لم أنعم بتلك اللحظة ولم أستطع حتى التظاهر بالسعادة. منذ ولادة طفلي، أعاني القلق الشديد والبكاء الهستيري، لا أستطيع النوم أو حتى تناول الطعام. وصل الأمر أني فكرت بالانتحار!
ينتابني الشعور الدائم بالذنب، هل أنا مقصرة في حق طفلي أم أن الأمومة لا تناسبني؟!
اطمئني-عزيزتي- لستِ وحدك. أثبتت الدراسات أن 80% من السيدات يعانين حزن ما بعد الولادة، وأن 15% منهن يصلن لاكتئاب ما بعد الولادة.
في السطور القادمة، سنعرض لكِ كل ما تودين معرفته عن اكتئاب ما بعد الولادة؛ أسبابه وعلاجه وكيفية تجنبه.
تعريف اكتئاب ما بعد الولادة
هو اضطراب نفسي شائع بين السيدات بعد الولادة، يصيب الأمهات الجدد بعد ولادة أي طفل، وليس بالضرورة أن يكون طفلها الأول.
تشعر الأم بمشاعر الحزن الشديد والكآبة التي قد تعيقها عن مواصلة حياتها اليومية والاهتمام بنفسها وصغيرها.
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة
لا يمكن تحديد سبب معيّن لاكتئاب ما بعد الولادة ولكن هناك بعض العوامل التي قد تلعب دورًا في حدوثه:
- اضطراب هرموني: حيث تنخفض بعض الهرمونات بنسبة كبيرة بعد الولادة، مثل هرمون الاستروچين والبروچيستيرون وهرمونات الغدّة الدرقية، مما يجعلك تعانين الإرهاق والكآبة.
- اضطراب نفسي: قد تعاني الأم بعض الأرق وقد تشعر بالقلق حيال قدرتها على تحمل مسؤولية ذلك الصغير، وقد تشعر بأنها فقدت السيطرة على حياتها؛ مما يتركها حزينة وقلقة لدرجة كبيرة تسبب لها الاكتئاب.
أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
في البداية، قد يختلط عليكِ الأمر عند شعورك ببعض مشاعر الحزن بعد الولادة؛ لذا عليكِ التفريق بين الأعراض الآتية:
حزن ما بعد الولادة (baby blues)
- الإرهاق.
- قلة النوم.
- الشعور بالحزن.
- البكاء.
- اضطرابات الشهيّة.
- قلة التركيز.
اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum depression)
تكون أعراضه مماثلة لحزن ما بعد الولادة، لكنها أكثر حدّة وتدوم لمدة أطول مثل:
- التقلبات المزاجية الحادة.
- عدم القدرة على الارتباط بالطفل.
- الرغبة في الانعزال عن الأسرة والأصدقاء.
- القلق الشديد من عدم القدرة على تحمل مسؤولية الأمومة.
- نوبات البكاء الشديد أو الغضب غير المبرر.
- الشعور بالعجز وانعدام القيمة.
- التفكير في إيذاء النفس أو الطفل.
ذهان ما بعد الولادة (Postpartum psychosis)
حالة نادرة تصيب الأمهات الجدد في الأسبوع الأول بعد الولادة، وتتطلب التدخل الطبي والعلاج السريع؛ حيث إن أعراضها شديدة وقد تعرض حياة الأم وطفلها للخطر، ومنها:
- الاضطراب وعدم القدرة على تمييز الزمان والمكان.
- الهياج الشديد.
- اضطرابات في النوم.
- معاناة الهلاوس.
- محاولة إيذاء النفس أو الطفل.
- جنون الارتياب (Paranoia).
مدة اكتئاب ما بعد الولادة
قد يبدأ بعد الولادة مباشرة، لكن غالبًا لا يُشخص في ذلك الحين؛ لتداخل أعراضه مع أعراض حزن ما بعد الولادة الذي يصيب معظم الأمهات الجدد.
قد يستغرق فترة طويلة بعد الولادة ليبدأ ذلك الاكتئاب، تصل إلى سنة كاملة؛ لذا لا تستهيني بأي أعراض تطرأ عليكِ واستشيري طبيبك على الفور.
ليس هناك أيضًا ما يحدد المدة التي ستعاني فيها الأم اكتئاب ما بعد الولادة؛ إذ يختلف ذلك من شخص لآخر باختلاف العوامل التي أدت إلى حدوث ذلك الاضطراب.
لكن بحسب البحث الذي نُشر في مجلة “هارفارد”، فالعديد من الحالات تتحسن بمرور 3-6 أشهر من بداية الأعراض.
اكتئاب ما بعد الولادة عند الرجال
قد يبدو ذلك صادمًا بعض الشئ، لكن الرجال أيضًا قد يعانون اكتئاب ما بعد الولادة. أثبتت الدراسات أن 10% من الآباء الجدد يعانون الاكتئاب سواء قبل ولادة الطفل أو بعده مباشرةً.
يحدث ذلك في الغالب نتيجة شعور الأب بأنه لم يعد الاهتمام الأول لشريكته أو لخوفه من المسؤولية المُحمّلة على عاتقه بعد ولادة ذلك الصغير.
على كل حال، إذا لاحظتِ بعض أعراض الاكتئاب على شريكك، فالأفضل أن تستشيري طبيبك في أسرع وقت.
علاج اكتئاب ما بعد الولادة
لحسن الحظ، فعلاج اكتئاب ما بعد الولادة ليس بالأمر الصعب إذا شُخص في وقت مبكر، إليكِ بعض الطرق المتّبعة في العلاج:
العلاج الدوائي
- قد يخبرك طبيبك أن عليكِ أخذ بعض مضادات الاكتئاب التي تساعدك في تخطي تلك الفترة. احرصي على إخبار طبيبك إذا كنت تقومين بالرضاعة الطبيعية حتى يخبرك عن أكثر تلك الأدوية أمانًا لكِ ولطفلك في أثناء الرضاعة.
- إذا كنت تعانين انخفاض ملحوظ في مستوى هرمون الاستروچين، قد يرشدك الطبيب إلى العلاج الهرموني.
العلاج النفسي
ليس بأقل أهمية عن العلاج الدوائي؛ فسيخبرك معالجك النفسي بالخطط والاستراتيچيات التي تساعدك في فهم حالتك والتغلب عليها.
العناية بنفسك
قد يكون تطبيق ذلك العلاج أصعب مما يبدو، لكن عليكِ أن تتجنبي ما يجهدك وأن تحصلي على ما يكفي من الراحة. احرصي على الحصول على وقت خاص بكِ لتفعلي ما يجعلك سعيدة ويزوّدك بالطاقة التي تعينك على إكمال يومك كما تريدين.
كيفية تجنب اكتئاب ما بعد الولادة
لا يمكن منع حدوث اكتئاب ما بعد الولادة بشكل مطلق، لكن هناك ما يمكنك فعله لخفض احتمالية حدوثه:
- احرصي على اتّباع نظام غذائي صحي خلال حملك.
- لا تنقطعي عن الأنشطة المعتادة التي كنتِ تمارسينها قبل الحمل-ما لم يمنعك عنها طبيبك الخاص-.
- لا تنعزلي في أثناء حملك، بل حافظي على توطيد علاقاتك الاجتماعية وتكوين نظام دعم متكون من الأشخاص الذين تثقين بهم للجوء إليهم في وقت الحاجة.
- أخبري طبيبك إذا عانيتِ الاكتئاب في فترة سابقة من حياتك أو إذا كنتِ تعانينه في أثناء حملك.
نصائح تساعدك على تخطي اكتئاب ما بعد الولادة
بالإضافة إلى استشارة طبيبك الخاص، إليكِ-عزيزتي- بعض النصائح الفعَالة لتخطي تلك المرحلة بسهولة وأمان:
- الراحة، اسمحي لنفسك بالاستراحة، تمتعي بنوم هنيء عند نوم طفلك.
- لا تكوني فريسة لفخ الأم المثالية التي تؤدي كل شئ بمفردها، اطلبي الدعم والمساعدة من زوجك وعائلتك وأصدقائك المقّربين.
- تحدثي عن مشاعرك، أخبري شريكك بكل ما تشعرين به.
- تحدثي إلى الأمهات الأخريات وتعلّمي من خبراتهم السابقة.
- تجنبي أي تغيير كبير في حياتك خلال فترة ما بعد الولادة، فحدوث تغيير كبير مع وجود طفلك الصغير سيصّعب عليكِ الأمور ويشعرك بالضغط. إذا اضطررت لحدوث تغيير كبير، تأكدي من وجود الدعم المناسب حولك.
أخيرًا
إن اكتئاب ما بعد الولادة ليس ضعفًا في شخصيتك أو تقصيرًا منكِ، إنما مجرد عَرَض قد يكون من مضاعفات الولادة التي يمكنك التغلب عليها بسهولة إذا اتّبعت طرق علاجه المناسبة تحت إشراف الطبيب.
المصادر:
تعليق واحد
تعقيبات: فوائد الرضاعة الطبيعية | الغذاء السحري لطفلكِ - Mothers Comfort Zone