كتبت: د. أسماء شهاوي
يأتي عيد الأضحى من كل عام؛ نحتفل به بإقامة شعائر إسلامية عظيمة مثل: الحج، والأضحية، ويحمل معه الفرح والسرور؛ لكنه أيضًا يحمل تساؤلًا محيرًا: “كيف أحكي لابني قصة الأضحية؟”.
يحتار الكثير من المُربين بين أمرين؛ هل أحكي لابني أم أتركه لا يفقه شيء مما يدور حوله؟
كيف أخبره لماذا نضحي؟ كيف أخبره بأن الله أمر نبيه إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل ثم فداه بكبش؟ هل يمكن أن يذبح الأب ابنه؟
أسئلة كثيرة ومحيرة وشائكة بذات الوقت. دعونا نفند الأمر منطقيًا في ذلك المقال؛ ونستمتع بتربية أولادنا تربية سوية تحترم شعائر الدين وتفهمها.
هل يلزم أن أحكي قصة الأضحية؟
تدور أهمية الحكي حول تربية الطفل بشكل سليم عقائديًا؛ يفهم ما يفعل ويستشعر معنى العبادات وحرمتها، مما يجعل الطفل أقوى في مواجهة الشبهات.
عندما نربي الطفل على الحوار والتفاهم وتفنيد ما يحدث حولنا من أمور؛ يصبح الطفل أقوى شخصيةً وفهمًا وأصعب للانقياد لسيء الأفكار.
الأمر في قصة الأضحية هو حساسية موقف الذبح، واستيعاب الطفل لفكرة أن يأمر الإله بذبح ابن. لذلك لابد من مراعاة وعي الطفل وظروفه والبيئة التي نشأ بها عندما نعرضه لتلك القصة.
فالطريقة التي نحاور بها طفلًا بدويًا يعتاد فكرة الذبح بسبب طبيعة غذاء البدو؛ لن تكون نفس الطريقة التي نحاور بها طفل المدينة الذي يكاد لا يتعرض لذبح دجاجة طوال عمره. والطريقة التي نحاور بها طفل الثلاث أعوام لن نحاور بها طفل العشرة أعوام.
مثلًا أحد الأطفال وعيه يناسب أن نقول له: “أمر الله سيدنا إبراهيم بذبح ابنه كاختبار ونجح به”. بينما نقول للآخر “أمر الله سيدنا إبراهيم بأمر عظيم لا يقدر عليه أب” وهكذا.
فالأمر يتوقف كليًا على طريقة تناولك للموضوع وتعبيرات وجهك ونبرة صوتك في أثناء الحكي، واقتناعك الشخصي بما تحكيه.
أقرأي أيضًا: التربية بين الحنان والحزم
لماذا الخوف من حكي قصة الأضحية؟
تدور قصة الأضحية حول أحداثٍ تبدو شائكة، حيث أب يُرزق بابن بعد سنوات طويلة من الحرمان، ثم يأمره الله بترك زوجته وولده بصحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وبعد سنوات يكبر الولد فيأمره الله بذبحه!!.
لكن لو فهمنا الأحداث سيزول الخوف، دعونا نفندها تباعًا:
- تأخر الرزق بالولد: أختبر الله صبر سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عندما تأخر رزقه بالولد من زوجته سارة -عليها السلام- وأمره الله بالزواج من هاجر -عليها السلام- ورزقه الله منها بإسماعيل -عليه السلام-.
بذلك تكلل نجاح إبراهيم في اختبار الصبر ذاك؛ بالرزق بولد نبي كريم. - الأمر بترك الولد وأمه بالصحراء: بعدما رُوي ظمأ إبراهيم للأبوة، أمره الله بترك ولده وزوجته بصحراء مكة. وكانت وقتئذ مهجورة لم يطأها البشر.
وأختبر الله صبر وطاعة إبراهيم ونجح في الاختبار؛ ثم اختبر الله صبر هاجر حيث لم يكن هناك ماء ولا غذاء لها ولطفلها، ففجر الله لهم بئر زمزم، وكانت معجزة وآية.
وتوافد الناس من كل حدب وصوب للعيش حول الماء، فزال الجوع والعطش والوحدة عن الأم ووليدها.
- الأمر بذبح الابن: بعدما أجتمع الشتيتان ورأي الأب ابنه شابًا جميلًا، جاء الاختبار “إني أرى في المنام أني أذبحك”، ورؤيا الأنبياء وحي من الله.
فكان اختبار الطاعة لكلٍ من الأب والابن؛ وجاء قول “يا أبتِ افعل ما تؤمر” ليكلل نجاح الأب والابن في اختبار الطاعة.
فكانت مكافأة الله لهما بكبش عظيم من السماء يفدي به الله النبي إسماعيل، وسُمي “ذبيح الله” لهذا السبب.
لذلك فهو لم يكن أمر بالذبح لكنه كان اختبار طاعة، ليُعد الله النبيين لمهمة جليلة وهي “بناء الكعبة” بيت الله الحرام.
دروس مستفادة من قصة إبراهيم وإسماعيل
نتعلم الكثير من الدروس من قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، ومنها:
- طاعة الله واجبة حتى لو كانت في أحب الأشياء للنفس.
- الله يدبر الخير حتى لو لم نعي ذلك.
- الابتلاءات تجهز الإنسان لمهام عظيمة.
- الصبر والثبات والإيمان بالله.
- طاعة الوالدين وبرهما.
- الصدقة وإطعام الفقراء من لحوم الأضحية.
- قيمة الإنسان وحرمة دمائه عند الله.
- تعظيم قيمة الكعبة بيت الله الحرام.
- أن الرزق والتربية بيد الله وليست بيد أبٍ أو أم، نحن مجرد أسباب.
كيف أحكي لابني قصة الأضحية؟
مع كل ما قيل ما زلنا لم نجب كيف نحكي القصة، دعوني أروها لكم:
في يوم من الأيام في سالف العصر والزمان كان هناك نبي يسمى “إبراهيم” رزقه الله النبوة، وأوكل إليه مهمة عظيمة جدًا، هل تعرفون ما هي؟ نعم هي بناء الكعبة العظيمة.
هل تعرفون الكعبة يا أولادي؟ دعوني أريكم صورتها وهيبتها.
أراد الله لإبراهيم أن ينال شرف بناء الكعبة المشرفة، ولكن قبل ذلك مر بعدة ابتلاءات ثبت فيها جميعًا.
هل تريدون معرفتها؟ سأحكيها لكم، تزوج إبراهيم بالسيدة سارة وكان يحبها كثيرًا؛ لكن تأخر رزقهم بالأطفال، فتزوج إبراهيم من السيدة هاجر.
تزوجا ورزقهما الله بولد جميل يُسمى “إسماعيل” أصبح نبيًا هو الآخر فيما بعد.
في يوم من الأيام كان إسماعيل ما زال رضيعًا، فأوحى الله لإبراهيم أن يأخذ زوجته ورضيعها ويذهب بهما لصحراء مكة، وكانت مهجورة وقتئذٍ، وأن يتركهما وحدهما ويذهب.
أطاع إبراهيم أمر ربه، ومر الوقت وعطشت هاجر وعطش الولد وأخذت تهرول ذهابًا وإيابًا باحثةً عن شربة ماء فلم تجد.
وانقطعت الأسباب ولم ينقطع دعاء هاجر لله، فأجابها الله وفجر لهما بئر زمزم وكانت معجزة، فشربت وشرب طفلها، وأتى الناس من كل حدب وصوب ليعيشوا بجوار الماء.
وبعد سنوات طويلة أرسل الله الوحي لإبراهيم في صورة منام، أمره الله بأمر عظيم لا يقوى عليه أب حنون، وكان هذا الأمر لابد وأن يطيعه سيدنا إسماعيل أيضًا.
قام إبراهيم بتنفيذ الأمر وأطاع ربه، كما أطاع إسماعيل والده، فكافأهما الله بكبش جميل من السماء، طعم لحمه جميل وكأنه من الجنة، فأكلا منه وأطعما منه الأصدقاء والفقراء.
لذلك أمرنا الله بذبح أضحية في عيد الأضحى نشارك فيها جيراننا وأصدقائنا ونطعم منها الفقراء كما فعل سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل.
وكافأهما الله مكافأة أخرى وهي أن منحهما شرف بناء الكعبة التي يحج إليها المسلمون كل عام.
هل رأيتم يا أولادي كيف يكافئ الله من يطيعه ويمتثل لأوامره، وكيف يدبر الله أمر المؤمن؟
في النهاية -عزيزي القارئ- أرجو أن يكون زال قلقك تجاه قصة الأضحية، وأن تكون استفدت من المقال.
والآن شاركنا كيف حكيت لطفلك القصة؟ وما الأسئلة التي وجهها لك؟