كتبت: أسماء شهاوي
التربية بين الحنان والحزم “Kind and firm parenting”، يا لها من معادلةٍ صعبة!
كيف يمكنني تربية أبنائي بحزم وبحب وحنان في نفس الوقت؟ أصلًا ما معنى الحزم الحنون؟ وما الحنان الحازم؟ بالأحرى ما هي التربية؟ وما المطلوب مني كمُربِّي؟
أسئلة عدّة تدور في أذهان الوالدين دعونا نبحث سويًا عن إجاباتها في هذا المقال. خذوا نفسًا عميقًا وتعالوا معي نفكر بهدوء.
ما هي التربية؟
للتربية معانٍ كثيرة وتعريفات أكثر، لكن ما نحن بصدده الآن هو معنى أن تتعامل مع شخصية الطفل التي جُبل عليها، وتحاول فهم طباعه ومهاراته لتخرج منه أفضل ما يمكن.
الطفل مثل الصفحة البيضاء التي تنقش بها أنت ما تشاء من صفات سواء سلبية أو إيجابية.
بعض الأطفال مثلًا يولد بشخصية قوية، له رأي واضح منذ الصغر يصر على تنفيذه، فيمكننا كآباء أن نتعامل مع ذلك الطبع فننتج شخصية قيادية ناجحة، أو نتعامل بطريقة خاطئة فننتج طفل متمرد عنيد.
الأمثلة كثيرة، إذن فالمطلوب مني كمُربي هو فهم سمات الطفل والتعامل معها بحكمة تتراوح بين الحنان والحزم لترويض الطفل وتعليمه كيف يتعامل مع العالم حوله وكيف يخرج أفضل ما فيه من إبداع.
يعد مبدأ “Kind and firm parenting” أو الحزم مع الحنان في التربية؛ من أبرز مبادئ التربية الإيجابية، فمنهج التربية الإيجابية بريء تمامًا من التسيب والانفلات.
الفرق بين الحنان والتسيب، والحزم والقسوة
الحنان يعني الرفق واللين، وما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، ولكن حدوده تقف عند التسيب والانفلات من نظام الأسرة، مثال:
- لو طلب ابني لعبة فأحضرتها له فذلك حنان، ولكن لو طلب سكين ليلعب بها فأعطيتها له فهذا تسيب وإهمال.
- لو طلب ابني الهاتف لمدة محدودة فلا بأس في ذلك، لكن لو استخدمه طوال اليوم أو دون حدود فهذا تسيب، كما إنه ضار جدًا للطفل.
أما الحزم فيعني الالتزام بقواعد واضحة وعدم التسامح في تجاوزها وتعويد الطفل على ذلك، فلا حرية مطلقة في هذه الدنيا، لابد من قواعد لتنظيم التعامل بين البشر.
لكن القسوة هي إلحاق الضرر الجسدي أو النفسي بالطفل من أجل تنفيذ النظام أو حتى رغباتي الشخصية كمربي.
والفرق بين الحزم والقسوة يمكن تلخيصه في أن نحترم القواعد والنظام لكن دون إلحاق الضرر بالطفل.
أمثلة:
- ابني يريد لبس ملابس صيفية في الشتاء، يمكن أن أتعامل بقسوة فاضربه وأجبره على الملابس الثقيلة، ويمكن أيضًا أن أذهب معه لخزانته ونستعرض ملابس الشتاء وأجعله يختار ملابس محببة له يرتديها باقتناع، بذلك أكون تعاملت بحزم ولم أتخلى عن موقفي لكن دون إيذاء الطفل.
- ابنتي تريد الخروج بوقت غير مناسب، يمكن أن أقسو عليها فأهينها وأحبسها، ويمكن أيضًا أن أعرض عليها قضاء سهرة مسلية معًا ونستمتع سويًا بوجبة لطيفة وجلسة مليئة بالعطف والحنان.
إذن ما الضرر لو أختل ميزان الحزم والحنان خلال تربية الطفل؟
أقرأي أيضًا: الطفل العنيد وكيفية التعامل معه | للعند أيضًا مميزات!
أضرار الحنان دون حزم
كما ذكرنا من قبل لا يوجد مكان بالدنيا بلا قواعد، بل أن القواعد أصلًا دورها حماية الإنسان وتنظيم التعامل بين البشر.
لو نشأ الطفل أن كل شيءٍ متاح سيؤدي ذلك لشعوره بصدمة عندما يخرج للعالم ويُفاجأ برفض للتسيب ولا يجد من يتساهل معه مثل والديه.
والتساهل أيضًا سيضر صحته البدنية كالإسراف في تناول الحلوى أو استخدام الشاشات فوق الحد، أو الإهمال في الدراسة والتمارين الرياضية.
من أبرز الصفات السلبية للطفل الذي يعامل بحنان دون حزم:
- الفوضوية.
- الأنانية.
- نظام حياة غير صحي.
- الكسل.
- الفشل وعدم الإنجاز.
- عدم تقدير الأمور بشكل جيد.
أضرار الحزم دون حنان
التعامل بصرامة شديدة مع الطفل -دون إظهار الحب واحترام المشاعر- أمر بالغ القسوة، فكما ذكرنا يجب احترام القواعد.
لكن هناك معنى هام لا يجب إغفاله، وهو التفرقة بين الرغبة في تعليم الطفل النظام وبين التسلط والسيطرة عليه وإشباع رغبات التحكم من خلال التعامل معه.
فالقواعد يجب أن تكون ثابتة وواضحة ومطبقة على كل أفراد الأسرة، فلا يمنع أحدهم مثلًا من الأكل في غرفته ويُعاقب على ذلك؛ بينما يُسمح للآخر.
كذلك من أهم معاني التربية هو أن يفعل طفلي الصواب سواءً في وجودي أو غيابي، لأنه يفهم الخطأ من الصواب باقتناع وليس لأنه خائف من الغضب والعقاب.
كما يجب تربية الطفل على الاحترام المتبادل بينه وبين والديه، فلا يُسمح بالتعدي على الطفل بدنيًا أو نفسيًا.
من أخطر نتائج الحزم دون حنان في التربية:
- طفل مهزوز ضعيف الشخصية.
- أضطرابات نفسية خطيرة مثل السرقة والكذب.
- التمرد في المراهقة.
- الاعتمادية.
- جفاف المشاعر.
- ضعف تقدير الذات.
- عدم احترام الآخرين، فالخوف يختلف تمامًا عن الاحترام.
وغيرها الكثير من الأضرار التي تقع على الطفل إن تعاملنا معه بجفاف، فالطفل بشر وليس آلة نبرمجها كيف نشاء.
خطوات على طريق التربية بحزم وحنان معًا
قواعد ثابتة
بدايةً يجب التأكيد على أن التربية مسؤولية مشتركة بين الوالدين وليست مسؤولية الأم فقط، لذلك يجب الاتفاق بين الوالدين حول قواعد المنزل والأسس التي يريدا تنشئة الأطفال عليها.
ويجب أن يقدم الوالدان قدوة جيدة للأطفال، فما نحاول أن نقنع الأطفال به يجب أن نفعله أمامهم أولًا، فالقدوة هي أفضل طريقة للتربية.
إعلان القواعد
يجب أن تكون القواعد واضحة ومعلنة مسبقًا ويتدرب الطفل عليها منذ الصغر، فلا يعاقب فجأة على شيء لم يعرفه من قبل.
الإقرار بمشاعر الطفل واحترامها
عند التعرض لموقف يجب فيه استخدام الحزم مع الطفل، يجب أولًا الإقرار بمشاعر الضيق التي يشعر بها، والتأكيد على أنك تحترمه وتخاف عليه، وأن من حقه أن يتضايق ويعبر عن رفضه وغضبه في حدود اللياقة.
وقت مستقطع
في حالة الغضب سواء من جهة الطفل أو المُربي، يجب أخذ وقت مستقطع لتهدئة الغضب حتى لا تتفاقم الأمور.
يمكن أن يذهب الوالد لغرفة أخرى، أو يسأل الطفل إن كان يحتاج لحضن حتى يهدأ ويستطيعا التفاهم بهدوء.
تشتيت انتباه الطفل عن الغضب
يمكن إلهاء الطفل عن مشاعر الغضب والإحباط التي يشعر بها بتقديم شيء آخر له، مثل طعام صحي يحبه بدلًا عن الضار الذي يريده ويغضب من أجله، أو تقديم لعبة يحبها أو حتى إلهاؤه بالدعابة والضحك.
الإقناع
عندما يهدأ نتناقش معه حول الموقف بهدوء ونوضح له أهمية الالتزام بالقواعد واقتراحاته حول طريقة تنفيذها.
النفس الطويل
وأخيرًا لابد أن يقتنع المربي أن الطريق ليس سهلًا ولا ممهدًا بالورود، فالتربية من أشق المهام وتحتاج لصبر ونفسٍ طويل، فبناء إنسان ليس أمرًا سهلًا على الإطلاق.
ثم أن المُربي ليس آلة أو ملاك لا يُخطيء، فتجنب جلد الذات، وإن أخطأت بالتعامل في أحد المواقف فلا بأس، المهم تقويم النفس أولًا بأول والرجوع إلى الطريق المستقيم قدر المستطاع.
أقرأي أيضًا: تربية الطفل على الثقة بالنفس | ِابْنِ طفلك
فوائد التوازن بين الحزم والحنان في التربية
ينتج هذا التوازن طفل سوي نفسيًا محترمًا لذاته ولمن حوله، كما يعزز احترام والديه له شعور الثقة بالنفس لديه فيتغلب على صعاب الحياة. والتربية الحازمة الحنونة ينتج عنها طفل سعيد لديه القدرة على التعاطف مع غيره والشعور بالآخرين.
كما تجنبك تلك التربية المتوازنة الكثير من صعاب مرحلة المراهقة، من المهم أن تبني أرضية من التفاهم والحب والاحترام مع أبنائك حتى تستطيع المرور بأمان من تغيرات المراهقة، فما تزرعه في الصغر تحصده في الكبر.
هكذا يطير طائر التربية بجناحي الحزم والحنان، ضع قواعد لتربية الطفل وحمايته وأجعله ينشأ على احترام القواعد والنظام، لكن دون كسر نفسيته أو إلحاق الضرر به، كما أغدق عليه الحب والحنان لكن دون تسيب وتجاوز للمبادئ مما يلحق به أشد الضرر أيضًا.
مصادر:
2 comments
Pingback: نظرية التعلق السلوكي | كيف نؤثر على أطفالنا للأبد؟ - Mothers Comfort Zone
Pingback: قصة الأضحية | كيف أحكي لابني قصة أب يذبح ابنه! - Mothers Comfort Zone